رواية بقلم دعاء عبدالرحمن
المحتويات
الشاب متقطعة أنفاسه من كثرة الټعذيب تفوح منه رائحة شواء جلده من كثرة الكهرباء التى تعرض لها وكل هذا ليس لذنب اقترفه ولا ذنب ألم به سوى أنه قال لظابط أمن دولة كان يقبض على صديقه دون حق فقال له أتقى الله لم يلبث الفتى الصغير بينهم سوى دقائق ثم نطق بالشهادة بعد أن سالت دموعهم عليه تروى جرحه كما تروى السحب بامطارها حشاش الأرض
قطعت أم فارس قراءتها للقرآن ووضعت المصحف بجوارها وهى تنادى على مهرة خرجت مهرة مسرعة من المطبخ فقالت لها أم فارس بوهن
شوفى يا مهرة فى أيه فى الشارع أيه الزيطة دى
تناولت مهرة أسدال الصلاة وارتدته بسرعة وخرجت إلى الشرفة أتسعت عيناها وهى تنظر إلى عمرو وأهل شارعهم مجتمعين حوله مهنئين له فى جلبة شديدة فرحين به وبعودته سالما بحثت بعينيها سريعا بين الوجوه وقد خفق قلبها بشدة تبحث بين العيون والوجوه لاشىء لم يعد أنهمر دمعها رغما عنها ومسحته بيديها وهى تجيب نداء أم فارس وتقول بصوت متقطع
انهمرت دموعها مرة أخرى وهى تتمتم
رجع لوحده
هرولت أم فارس إلى الشرفة بلهفة بحثت هى أيضا عن ولدها بين الناس فلم تجده خرجت من الشرفة متوجهة إلى باب الشقه مسرعة لحقتها مهرة وهى
تتشبث بذراعها هاتفة
أستنى يا ماما هتنزلى كده ازاى أنت بهدوم البيت
نظرت أم فارس لملابسها وهى تضع يدها على شعرها لاتعلم ماذا تفعل وكأنها مسلوبة الأرادة لم تنتظر مهرة كثيرا أندفعت للداخل وأحضرت لها عباءة الخروج وحجاب أرتدتهم بسرعة وهى واقفة على باب الشقة ولسانها يلهج بفزع
ألبستها مهرة حذائها سريعا والتقطت مفتاح الشقة ونزلا سويا يهرولا إلى حيث عمرو لم تستطع عزة أن تنتظر كثيرا وهى تراه من النافذة أندفعت تفتح باب الشقة لمقابلته لا تعلم كيف كانت تقفز درجات السلم كان قد سبقها وصعد السلم بقفزات أسرع وأوسع منها وأخيرا التقيا تعانقا تعانقا بقوة واندفاع كل منهما رمى بجسده باتجاه الآخر البكاء هو سيد الموقف كانت تشهق وهى بين ذراعيه وتضمه بقوة وهى تهتف باسمه بقلبها قبل شفتاها أما هو فقد ضمھا إلى صدره وأغمض عينيه وهو لا يصدق أنه رآها مرة أخرى أسرعت أم عزة تتصل بعبير وتخبرها بالأمر صعد بها للأعلى وهى مازالت متعلقة به دخلا شقتها بين والدها ووالدتها التى هتفت
جلس على الأريكة وهو يلف كتفها بذراعه وتنفس بقوة وهو ينظر إليهم بشوق قائلا
الله يسلمكم
فين دكتور فارس ودكتور بلال يا بشمهندس
أبتسم عمرو والجميع محيط به وهو يقول
الحمد لله كويسين أوى وبيطمنوكوا عليهم
قالت أم فارس بلهفة بعد أن أطمئن قلبها
مخرجوش معاك ليه
هز رأسه نفيا وهو يقول
قالت أم فارس بجزع
ازاى يابنى بس ده الظابط اللى جه خده قعد يقول بتعمل قنبله فى بيتك
طمئنها عمرو قائلا
صدقينى يا طنط والله كويسين ومفيش تهمة متوجهه لحد خالص وكل اللى عرفناه ان فى حد هو اللى شكنا بلاغ ووصى علينا بس مين هو ده منعرفوش لحد دلوقتى بس متقلقوش أنا هفضل ورا الموضوع ده مش هسيبوا غير لما اعرف
أتصلى باختك وطمنيها على جوزها
خرجت أم فارس ومهرة من بيت والد عزة مطرقتان برأسيهما بحزن وأسى لا يعلمان ماذا ينتظرهما فى المستقبل
أستندت عبير إلى ظهر سريرها وعينيها تلمع بالدموع ألتفتت إلى الوسادة الخالية بجانبها وإلى الفراغ الذى طالما كان يحتله جسده بجوارها وارتسمت على جانبى شفتاها ابتسامة حزينة وهى تتذكر الرسالة الشفوية التى أرسلها مع عمرو وحشتينى أوى وبضمير تناولت وسادته وهى تستلقى على جانبها الأيمن واحتضنتها بقوة وهى ترويها بدموعها هامسة
وانت كمان وحشتنى أوى يا بلال
طرقت والدته باب غرفتها فوضعت الوسادة مكانها ومسحت دموعها واتجهت للباب وفتحته وعيونها المعذبة تفضح حزنها أخذتها والدته من ذراعها وخرجت بها خارج غرفتها إلى الأريكة التى يعتادون الجلوس عليها أجلستها كالاطفال والتفتت إليها قائلة
عارفة يا عبير أول مرة خدوا بلال فيها كنت ھموت من الړعب والخۏف عليه وكانت دماغى كل ثانية تودى وتجيب مش عارفة عايش
ولا لاء لما قعد هناك كام شهر وطلع بعدها حسيت أن بلال اتغير
أومأت عبير برأسها وهى تنظر لها قائلة
معاكى حق يا ماما
ثم قبلت كفها وقالت
ربنا يخاليكى لينا
ربتت أم بلال على رأسها بابتسامة حنونة فقالت عبير
المركز مش هينفع يفضل مقفول كل ده أنا هتصل بالممرض اللى كان مسؤل عن المركز واخاليه يرجع تانى وكل الناس اللى جلساتها اتلغت من غير سبب يتصل بيهم يقولهم ان المواعيد كلها اتأجلت علشان بلال مايفقدش المرضى اللى كانوا بيتابعوا معاه واهو يفضل فى المركز يعمل اللى يقدر عليه أكيد بلال كان بيعلمه شغله يعنى ممكن يمشى المركز شوية لحد ما بلال يرجع بإذن الله المهم المركز مايتقفلش أبدا
وقف عمرو أمام حجرة مكتب إلهام وتنفس بقوة ثم طرق الباب أتسعت ابتسامتها وهى تنهض من خلف مكتبها مسرعة نحوه
بلهفة وقالت وهى تمسك بذراعيه
حمدلله على سلامتك يا حبيبى
أنزل عمرو يدها بهدوء ثم مد يده أمامها بورقة قائلا
ياريت حضرتك تقبلى استقالتى
نظرت إلى الورقة ثم رفعت رأسها إليه ثانية وهى تقول باستنكار
أستقالتك !! ليه يا عمرو ليه كل ما اقرب منك تبعد عنى
أتجه نحو مكتبها ووضع الأستقالة عليه بهدوء والټفت لها عاقدا ذراعيه أمام صدره قائلا
هكلمك بصراحة أنا الأول كنت متردد فعلا وكنت بقول مفيهاش حاجة طالما مش بعمل حاجة غلط وبينى وبينك كنت معجب بكلامك ليا
أبتسم ساخرا وهو يقول
راجل بقى وفرحان بشبابى وان فى واحدة بتحبنى وعايزانى وبتعمل المستحيل علشان تقربلى
تجهم وجهه وهو يردف بصوت خرج من بين جدران السجون قائلا
لكن اللى شوفته يخلينى أبيع الدنيا دى كلها واعرف ان الدنيا دى متسواش حاجة
ألتفت إلى مكتبها وهو يستند عليه قائلا
فى عز الوقت اللى كنت فرحان بيه بنفسى وبوسامتى شوفت شباب صغير قد اخويا محمود بيتعذب ويتجلد ويتكهرب وفى الآخر ېموت لمجرد أنه بيحافظ على صلاة الفجر لمجرد انه قال لظابط أتقى الله
ألتفت إليها مرة أخرى وهو يقول
كل ده وانا كنت عايش مع نفسى ولا اعرف أى حاجة عايش علشان اكل واشرب والبس واشتغل وبس معرفش الظلم وصل لحد كده ازاى معرفش حاجة عن الناس اللى بټموت كل يوم من غير حس ولا خبر ولا كأنهم حيوانات
هتفت الهام مقاطعة
عمرو أنت شكلك أعصابك تعبانة خد أجازة ارتاح شوية
هز رأسه نفيا وقال بتصميم
آسف يا مدام أنا مصمم على الأستقالة
لمعت عينيها بالدموع وهى تحاول الوصول لنقطة اتفاق قائلة
طب اسمع بس يا عمرو خاليك فى الشركة وانا اوعدك انى مش هتكلم معاك تانى كلام يضايقك أو يحسسك أنك بتعمل حاجة غلط
نظر لها بترقب وهو يقول
مقدرش مينفعش أحط نفسى فى الفتنة واقول انا جدع وقدها وقدود
أبتلعت ريقها وقالت بتماسك
قال بشك
شغل ايه
ابتسمت بتوتر وهى تقول
شركتنا داخله شراكة مع شركة سياحة هنبنى فندق سياحى فى مكان جديد اسمه وادى الريان هنبقى أول فندق فى المكان ده المشروع ده ضخم ياعمرو وهيطلعلك منه مكافأة حلوة أوى ممكن تبدء بيها حياتك العملية وتفتح شركة هندسة صغيرة كده على قدك ها قلت أيه
صمت قليلا يفكر فى الأمر فقالت
متقلقش مش هتبعد عن بيتك كتير هتنزل أجازة يومين فى الأسبوع تلات شهور والمشروع يخلص مش كتير يعنى بالنسبة لطبيعة شغلك
نظر إليها بتسائل وقال
واشمعنى أنا اللى عاوزانى اشتغل المشروع ده ليه مدتيهوش لنادر ولا حد تانى غيرى
عقدت ذراعيها وقالت بخفوت
مش هينفع اجاوبك علشان وعدتك انى مش هقولك كلام يحسسك انك بتعمل حاجة غلط ها فهمت ولا اقول بصراحة
صمت قليلا يفكر وجدها فرصة من الممكن يبدء بها حياته بعيدا عنها وعن فتنتها وستضمن له مستقبل جيد بالحلال وأخيرا خرج عن صمته قائلا
موافق بس محتاج شوية وقت علشان عاوز اتابع موضوع صحابى اللى حضرتك مهتمتيش بأمرهم
ابتسمت وقالت بثقة
متقلقش هيخرجوا قريب اللى خرجوك هيخرجوهم هما بس معرفوش يطلعوهم معاك بسرعة علشان واحد فيهم متوصى عليه جامد والتانى اعتقل قبل كده
أستدار عمرو بإنفعال قائلا
معرفتيش مين اللى وصى عليه بالطريقة دى
تناولت خصلة من شعرها تلفها حول أصبعها وقالت متعجبة
الحقيقة عرفت بس مستغربة أوى
قالت كلمتها الاخيرة ثم توجهت لمكتبها وجلست خلفه وهى تنظر إليه بتأمل وهو يقول متلهفا
مين مين اللى عمل كده
مطت شفتاها وهى تقول ببطء
مراته
توجه نحوها وأتكأ
على المكتب بقبضتيه وهو يقول منفعلا
مرات مين
رفعت حاجبيها وقالت
مرات صاحبك المحامى ده
أتسعت عينيه وهو يردد بذهول
دنيا
رفعت كتفيها بحيرة وهى تقول
مش عارفه كل اللى عرفته ان مراته هى اللى بلغت عنه وحطت أساميكم معاه
هتف صائحا پغضب
أنت متأكدة من الكلام ده
مالت للأمام وقالت بثقة
طبعا يا عمرو المعلومة دى من فوق أوى
تركها وخرج
مهرولا للخارج والڠضب يعتمل فى صدره والغريب أنه لا يدرى لماذا تفعل زوجة بزوجها هذا مهما كانت بينهما خلافات ومشاحنات كيف تستطيع أن تفعل به ذلك ما الداعى إذن ما الداعى !!
هبت أم فارس واقفة وهى تهتف به مستنكرة
بتقول ايه يا عمرو انت اټجننت ولا أيه
وضعت مهرة يدها على فمها فزعا وهى تحدق به وهو يقول
جلست أم فارس هاوية وهى تقول بشرود
والله يابنى ما اعرف فارس مكنش بيحكيلى على حاجة خالص تخص حياته معاها
تدخلت عزة وهى تقول بحدة وڠضب
علشان كده مكنش باين عليها الزعل ولا الخضة الحقېرة
كتمت مهرة بكائها وهى تنظر إليهم غير مصدقة ما تسمع من هذه التى تعاشره وتتعامل معه ثم تسىء عشرتها له بهذا الشكل الفج حتى وإن ضاع الحب أين الأنسانية أين الضمير كيف تجرؤ شعرت
أنها انفصلت عنهم وجدانيا فى دوامة أخرى لا تسمع ولا ترى سوى انفعالتهم أمامها وكأنهم فى غرفة عازلة للصوت ظلت هكذا وأخيرا استطاعت أن تسمع هتاف عمرو وهو يقول
أنا هعمل المستحيل علشان اطلع تصريح بالزيارة لازم اقابله واقوله على كل حاجة
لم تشعر بنفسها إلا وهى تهتف برجاء قائلة
لا لاء حرام عليك مش كفاية عليه عڈاب السچن
كمان يعرف كده وهو مش عارف يتحرك ولا يعمل حاجة ولا قادر يعرف هى عملت كده ليه أنت كده هتزود عڈابه
نظرت لها عزة نظرة متفحصة بينما قالت أم فارس
صح مهرة
متابعة القراءة