رحلة الآثام بقلم منال سالم
المحتويات
لو أنا حطيت شوية بهارات على اللي بشوفه.
لتؤكد على تحذيرها الخطېر استرسلت تنذرها بجدية
والكل هيصدقني لأني معنديش اللي أداريه ولا حتى أخاف إنه يضيع مني.
حينئذ قصف قلبها بقوة من ټهديدها الفارغ الذي لن يأتي عليها إلا بكل ما هو غير محمود فبرقت نظراتها وأحست بدمائها تهرب من عروقها ومع ذلك تحدتها قائلة بتشنج
وضعت يدها أعلى منتصف خصرها ثم ساومتها بخبث وهذا الهدوء مستبد بها
وليه نعادي بعض من الأساس خلينا زي ما احنا وأنا يدوب هاخد حتة من التورتة اللي إنتي غرقانة فيها ويا دار ما دخلك شړ.
وقبل أن تفكر في رفض عرضتها رفعت يدها أمام وجهها وأخبرتها بابتسامتها الظافرة
تركتها ابتهال على حالتها المصډومة وغادرت لتقوم تهاني بغلق الباب وهي ترتعش كليا ظلت تعبيراتها مصعوقة وعيناها مذهولة. بالكاد تمكنت من التماسك وهي تسير شبه زاحفة بخطواتها نحو الفراش. أخذت تردد مع نفسها في توجس شديد
دي لو عملت كده أبقى أنا ضعت على الفاضي!!!
التنازل يبدأ بمرة تتنحى فيها المبادئ جانبا ثم يستمر ذلك في الحدوث تباعا كحبات العقد حينما تنفرط من رباطها وتتناثر في كل اتجاه ليتحول في الأخير لأمر إلزامي على صاحبه! جاء بدري لزيارة زوجته في بيتها
طب وجوازنا
أجابها ببرود تام
مافيهاش حاجة لما يتأجل شوية.
زحفت الدموع إلى مقلتيها حتى بدا وجهه مشوشا في عينيها تجاهل ما تشعر به وزفر معللا لها رغبته
حين رفرفت بجفنيها انسكبت عبراتها على صدغيها لتبكي في صمت مقهور ورغم هذا لم يبد بدري متأثرا بحزنها الجلي لكنه حاول أن يظهر تعاطفا غير موجود فيه فربت على ذراعها في رفق وتابع
الحكاية مش هتطول ده كام شهر بالكتير ولو ما اتوفقتش هرجع تاني.
هتف منتقدا ما رددته بحدة
شيفاني يعني غاوي غربة وپهدلة
انتفض بدنها من صراخه رغم خفوت نبرته فتنفس من بين أسنانه ببطء ليضبط حاله لم يرغب
لما أرتب أموري غير كده مش هاقبل على نفسي أبهدلك في بلاد غريبة يا بنت الناس.
داهمها الحزن أكثر فخشي أن تنوح ويتضاعف بكائها فتأتي والدتها لمحاسبته لذا أضاف ملطفا ولو كان كڈبا
أنا مستغناش عنك.
استسلمت مصدقة عذب كلامه وقالت بصوت مهموم
هاقول إيه غير أمري لله.
انتفخ صدره في ارتياح بعدما أتم مهمته بنجاح ليعلق باسما في حبور
تعيشي يا بنت الأصول.
فهمي أمك بقى على الحكاية وأنا هعدي عليكي تاني.
قام واقفا وودعها في الحال
سلام.
اصطحبته إلى الباب وهي تمسح بقايا دموعها براحة يدها لتستدير دفعة واحدة فور أن أغلقت الباب لتنظر إلى والدتها التي بادرت بسؤالها
في إيه يا فردوس قالبة سحنتك ليه!!
مع انحدار الشمس نحو المغيب كان كلاهما يقفان عند الجراج الملحق بالمشفى أمام سيارته في انتظار وصول العربة التي تقل تهاني إلى مسكنها فالأخيرة قد أصرت على إعادة ما استعارته من كتب ومراجع إليه لتنهي بذلك السبب الذي يدفعها لمقابلته. لاحظ ممدوح
إنتي مش معايا النهاردة في حاجة مضايقاكي
تنبهت من شرودها المحفوف بما يزعجها ويقلقها من نوايا ابتهال غير المعلومة لها لكنها حتما لن تشارك مخاوفها معه. تصنعت الابتسام وردت
لأ عادي شكرا مرة تانية على الكتب أنا ممنونة ليك.
وضع يده في جيب بنطاله وعقب باسما
قالت كنوع من المجاملة
حاضر.
أملت أن تصل العربة في أي لحظة لتعفي نفسها من هذا الحرج ومن إيجاد أي مبررات لتفسير موقفها الحذر معه اندفعت ناظرة إليه بنظرة ضيقة عندما تكلم مرة أخرى في صوت هادئ لكنه جاد
المهم أنا كنت عاوز أبلغك بسفري.
سرت خفقة غريبة في قلبها لأن ذكره لمسألة السفر أنعش ذاكرتها بما بذلت كل الجهد لنسيانه
إنت هتسافر
أطلق زفرة بطيئة من جوفه وعقب بلهجة شبه منزعجة
إن كان عليا مش حابب بس مضطر أرجع.
أبقت عينيها عليه فأكمل بلؤم مدروس
أنا لازم أطمن على الباشا فؤاد.
ظهرت الحيرة في وجهها فأعطاها التوضيح المطلوب والذي كان متيقنا أنه سيؤثر فيها
والد مهاب.
أحست بغصة قاسېة تحز في قلبها قاومت انعكاس تأثيرها عليها وحافظت على جمود ملامحها إلا أن نظراتها نطقت بما لم يبح به لسانها. ابتسم في مكر وأردف
وهبعتله سلامك طبعا.
زفر
ممدوح الهواء عاليا ليضيف بعدها
أنا مش عارف هيعدي عليا الكام يوم دول إزاي
التفتت تنظر إليه في شيء من الاستنكار لكنه أبدى أسفه النادم في التو
أعذري جراءتي شوية بس أنا خدت على إني أشوفك كل يوم ولو لدقايق.
لعقت شفتيها وهتفت مشيرة بيدها للأمام نحو حافلة صغيرة قادمة من على بعد
عربيتي جت.
ودعها ويده ممدودة لمصافحتها
خدي بالك من نفسك.
ارتجفت من تصرفه المبالغ فيه فلم يكترث وسألها وهو مسبل عينيه تجاهها
في حاجة حابة أجيبهالك معايا وأنا جاي
سحبت كفها هاتفة بارتباك
لا شكرا.
همت بالابتعاد عنه لكنه مجددا اعترض طريقها ليعترف بنزق زاد من ربكتها
هتوحشيني.
حذرته بنظرة مدهوشة
دكتور ممدوح.
تراجع خطوة للخلف وقال مطرقا لرأسه
أنا أسف...
ما لبث أن ثبت نظره عليها ليتابع بتخطيط مدروس
بس اتعودت أعبر عن اللي بحسه بصراحة للناس الغاليين عندي.
حافظ على تبسمه العذب وهو ينصرف تجاه سيارته
أشوفك على خير يا دكتورة.
هو بيعمل كده ليه معايا!!
كان أول ما فعله عندما عاد إلى أرض الوطن هو الالتقاء برفيق الدرب . قص مهاب ما حاكه ببراعة ليجعل كفة الميزان ترجح لصالحه أثناء مواجهته مع أبيه في مقر عمله فنال بلا عناء رضائه وأوقع شقيقه الأرعن في مكره فأصبح الأخير هو المقصر والملام بدلا من تمجيده. كركر ممدوح ضاحكا وارتشف من كأس شرابه المسكر ليردد بعدها في إعجاب كبير
يا ابن الإيه ده إنت شيطان!
عشان ما يلعبش على النغمة دي كتير جملتين حلوين دخلت بيهم على الباشا الكبير على طول صدق واقتنع.
بعدئذ جسدها بذراعيه أصبحت كليا أسيرته ولم تظهر أدنى مقاومة له تركته ينهل عدد لا
وإنت سيد مين يلعب بالكلام! أستاذ!!
لم يفهم مراده فرد عليه متسائلا
قصدك مين
بادله نظرة غامضة محملة بالكثير قبل أن يجيبه بكلمة واحدة
تهاني!
قهقه ضاحكا في استهزاء ليردد من بين ضحكاته ساخرا
أنا فكرتك بتكلم عن حد مهم..
عموما هي مش في دماغي.
جاء تعقيب ممدوح معاتبا
وده ينفع تسيب الساحة ليا كده ألعب فيها لواحدي
وعلق بلا اهتمام
اعتدل ممدوح في جلسته هاتفا بتحفز طفيف
ومين جاب سيرة الجواز تلاقيك خاېف لأقطفها قبلك!!
أخبره بغطرسة واثقة
إنت عارفني مافيش واحدة تستعصى عليا مهما كانت فين!!
ثم مط فمه قليلا وأضاف بغرور معروف به
وتهاني مش هتاخد في إيدي غلوة!
لم يبد ممدوح مقتنعا بهالة السيطرة التي يحاول إبهاره بها فاستخف به مما جعله يزداد تحمسا لخوض هذه المغامرة فهتف يعلمه بما قرره في التو
تحداه مهاب قائلا بصوت غامض ومثير
لأ هغير التكنيك خالص وهتشوف.
مستنيك تبهرني !!
يتبع الفصل التاسع
الفصل التاسع
القرار
غلبتها قلة الحيلة أمام تطفل هذه السمجة فلم تجد بديلا سوى الانتقال من السكن الحالي والبحث عن آخر يتوافق مع وضعها المادي والنفسي. الاختيارات المتاحة لديها كانت محدودة للغاية فوقع الخيار في النهاية بعد بحث استمر لمدة أسبوعين على مسكن أكبر في المساحة يضم ثلاثة غرف تشترك كل اثنتين في غرفة فيما عدا واحدة ظلت شاغرة. وقفت تهاني أمام باب الغرفة الأخيرة تتأملها بنظرات مزعجة
لو لم تكن مضطرة لما ارتضت بذلك بديلا حافظت على جمود ملامحها بعدما ألقت نظرة متأملة على الغرفة التي تضم سريرين منفردين وخزانتين مستقلتين بالإضافة إلى طاولة مستديرة ومقعدين خشبيين ومرآة تسريحة ملتصقة بالحائط. حادت ببصرها عن النظر إلى محتوياتها والتفتت مخاطبة في هدوء شبه رسمي السيدة المسئولة عن تسكين المغتربات هنا
مناسبة هاخدها.
ردت السيدة عليها بتشجيع
إن شاءالله تتبسطي فيها البنات هنا كلهم محترمين ومجتهدين وشغالين في وظايف حلوة اللي مدرسة واللي ممرضة وآ...
قاطعتها قبل أن تنهي جملتها قائلة بجمود
أنا بحب الخصوصية فأتمنى محدش يشاركني في الأوضة بعد ما دفعت الدبل فيها.
هزت رأسها في تفهم وقالت
اطمني...
ثم مدت إليها يدها بالمفتاح قائلة ببسمة متسعة
دي نسختك أهي.
أخذته منها وهي تقول بإيجاز
شكرا.
أكدت عليها مرة أخرى وهي تهم بالانصراف
لو في حاجة ناقصة بلغيني أو سبيلي رسالة مع الأمن تحت.
طيب.
قالت كلمتها وهي تسير معها إلى باب المسكن حيث كانت تتواجد إحدى القاطنات بالاستقبال الصغير. وجهت السيدة حديثها إليها بأسلوبها المرحب
دي زميلتكم تهاني هتقعد معاكو من النهاردة يا نزيهة.
حولت نزيهة ناظريها تجاهها للحظة دون أن تبدو مهتمة فعليا بها ثم ابتسمت بتكلف قبل أن تتابع تقليم أظافرها لتنصرف السيدة بعدئذ تاركة الاثنتين بمفردها. لم تحاول تهاني صنع أي صداقة ودية مع هذه الشابة الغريبة عنها حملت حقيبتها واتجهت إلى غرفتها لتغلق الباب عليها وهي تردد بصوت خفيض
كده أحسن.
أدركت مدى صعوبة الوضع الذي أصبحت عليه حين تساهلت مع الغرباء كل شيء قد بات مهددا وربما تخسر ما تحاول فعله قبل أن تتمه من الأساس لذا كان القرار الصائب من وجهة نظرها
الهروب مما يعرقل تحقيق نجاحها.
تأكدت من إحكام غلق البرطمان جيدا بعدما عبأته بصنيع يدها المميز من الحلاوة السوداء لتضمن عدم تسرب محتوياته حينما تنقله ثم لفته بكيس بلاستيكي صغير وعقدته من الأعلى قبل أن تضعه في آخر لتتمكن ابنتها من حمله بمفرده. مرة أخرى ألقت عقيلة نظرة مدققة على الحقيبة القماشية التي وضبتها لتتفقد ما ملأتها به فقد أحضرت خصيصا زبدة فلاحي وقطع من الجبن وبعض المخبوزات المنزلية لترسلها مع ابنتها في زيارتها لحماتها. نضح قلب فردوس بالبهجة وهي تتحمس لملاقاة والدة زوجها فإذ برؤياها تشبع توقها للتواصل معه فمنذ أن سافر لم يرسل إليها ولم لمرة واحدة. أصغت بانتباه لتعليماتها وهي تحذرها بإشارة من إصبعها
تمشي على مهلك وخدي بالك من الحلاوة.
أومأت برأسها هاتفة في طاعة
حاضر يامه.
شددت عليها مجددا وبنفس اللهجة الصارمة
وما تطوليش عندها يا بخت من
متابعة القراءة